حبة حنطة – القس ميخائيل ابراهيم

اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ” مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ”. (يو 12: 24

فكرت كثيرا فى مقالة تجمع بين الصلب والقيامة، أهم حدثين فى شهر ابريل. ولم أجد أحلى من هذه الآية التى قالها السيد المسيح عندما ذهب اليه بعض اليونانيين لكى يطلبوا من التلاميذ أن يروا المسيح، “نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوعَ” (يو١٢: ٢١)

فلخص لهم السيد المسيح حياته الباقية على الأرض فى هذا التشبيه الممتع الجميل “إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا”

تعال بنا نتأمل عزيزى القارئ فى هذه الآية:

أن الزمن ليس زمن رؤية وحديث مع الناس ولكنها الآن ساعة معصرة الدم. وينبغى أن أدوسها وحدى “قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي، وَمِنَ الشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ” (أش 63 : 3). وقد تخيلت أن السيد المسيح حينما سمع باليونانيين (الشعوب)، علم ان المعصرة قد أُعدت.

إن السيد المسيح شبه نفسه بحبة الحنطة المهيأة للدفن بكل معنى الوحدة فى العزلة عن الكل. هذا كان عمق * أعماق شعور المسيح الذى كان يعتصره ويهز كل كيانه، “نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ” (يو 12: 27)، “نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ” (مت 26: 38). ولكن كما أن حبة الحنطة تغلب وحدتها بموتها ودفنها فى الأرض فتصير كثيرا.

هكذا رأى المسيح فى موته عبورا من وحدته اذا لم يفهمه أحد ولم يسمع أحد، (وإلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله). ورئيس الكهنه مزق ثيابه لأنه لم يفهم كلامه وتلاميذه خانوه وواحد منهم باعه، والباقون تركوه وهربوا. ثم تمت معجزة حبة القمح التى دفنت فى الأرض إذ خرجت منها السنبله تحمل ثمرا كثيرا “مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ” (أف 5: 30)

بموت حبة الحنطة على الصليب، وبموتها الظاهرى حولها إلى ثمر كثير. أتذكر بعض الآيات من الرسالة التى كتبها القديس يوحنا الرائ فى سفر الرؤيا إلى ملاك كنيسة سميرنا – وسميرنا تعنى المر، وهى تلخص فترة عصر الإستشهاد – “هذَا يَقُولُهُ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، الَّذِي كَانَ مَيْتًا فَعَاشَ: أَنَا أَعْرِفُ أَعْمَالَكَ وَضَيْقَتَكَ وَفَقْرَكَ مَعَ أَنَّكَ غَنِيٌّ. وَتَجْدِيفَ الْقَائِلِينَ: إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُودًا، بَلْ هُمْ مَجْمَعُ الشَّيْطَانِ. لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ” (رؤ 2: 8-10)

إن هذه الآيات الموجهه إلى كنيسة سميرنا هى نفس فكرة حبة الحنطة التى ماتت ودفنت. فالكنيسة، السنبلة التى خرجت من جنب المسيح، عبارة عن حبات كثيرة، كل حبة تموت مثل سيدها لتأتى بثمر كثير. “مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُبْغِضُ نَفْسَهُ فِي هذَا الْعَالَمِ يَحْفَظُهَا إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ.” (يو 12: 25)

عندما مات المسيح كانت بداية وليست نهاية

لأن بعد الموت صارت القيامة

وبعد الإستشهاد (الموت) جاءت انتصار المسيحية فى العالم كله.

لأن آباءنا الشهداء التصقوا بالنموذج الإلهى.

فالمسيح مات بإرادته وقام.

فإذا اتبعته عزيزى القارئ تصير مثله، وتأخذ تجربته فتموت معه وتقوم معه. إذ تأخذ قوة موته وقوة حياته فتقول معه فى أسبوع الآلام باللحن الحزاينى

لك القوة والمجد والبركة والعزة.

وتفرح بالقيامة وتقول بفرح مع المرتلين

المسيح قام من بين الأموات. بالموت داس الموت والذين فى القبور أنعم لهم بالحياة الأبدية.